
تُخلد موريتانيا هذا الشهر الذكرى الستين لإقامة علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، في التاسع عشر من يوليو 1965، وهي مناسبة تحتفي فيها نواكشوط وبكين بشراكة استراتيجية استثنائية تجاوزت الشعارات، لتترجم على أرض الواقع إلى مشاريع تنموية ملموسة ومستدامة.
وخلال هذه العقود الستة، رسّخت الدولتان تعاونًا نموذجيًا في إطار علاقات الجنوب–الجنوب، اتسم بالثقة المتبادلة والاحترام، وامتد ليشمل مجالات حيوية كالبنية التحتية، الصحة، الزراعة، التعليم، الطاقة، والثقافة، ما جعل من العلاقة الثنائية حجر زاوية في السياسة الخارجية للبلدين.
وفي مقدمة الشركاء الصينيين في المشهد التنموي الموريتاني، برزت شركة CRBC الصينية (China Road and Bridge Corporation)، التي نفّذت مشاريع بنية تحتية كبرى، من بينها توسعة "ميناء الصداقة" في نواكشوط، الذي ضاعف طاقته الاستيعابية، وجسر "كرفور مدريد"، الذي يمثل شريانًا حيويًا لحركة النقل، إضافة إلى تشييد أكثر من 700 كيلومتر من الطرق وسبعة أرصفة بحرية.
وفي القطاع الصحي، تجسّد التعاون من خلال إنشاء "مستشفى الصداقة" في مقاطعة عرفات، وتوسعة المستشفى الوطني، إلى جانب إرسال بعثات طبية صينية بانتظام إلى المستشفيات الجهوية، لتعزيز التخصصات الطبية وخدمة المناطق الداخلية.
أما في مجال الثروة البحرية، فقد أحدثت شركة Poly Hongdong Fishery نقلة نوعية في مدينة نواذيبو، من خلال مصانع متطورة لمعالجة وتصدير المنتجات البحرية، خلقت مئات فرص العمل وساهمت في إدخال تقنيات حديثة في الحفظ والتسويق.
كما تميز التعاون الزراعي بإنشاء مركز للإرشاد التقني الزراعي بتمويل مشترك بلغ نحو 55 مليون دولار، بهدف دعم الأمن الغذائي وتطوير الزراعة الذكية، حيث استفاد آلاف المزارعين من برامج تدريب ودعم لوجستي وتقني في ولايات زراعية رئيسية.
ولم تغب القضايا البيئية عن أجندة التعاون، إذ دعمت الصين برامج تشجير ومكافحة التصحر، إضافة إلى نشر تقنيات الطاقة الشمسية في المناطق الريفية، بهدف تقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة، وتعزيز التكيف مع التغير المناخي.
وعلى مستوى التعليم والثقافة، يواصل معهد كونفوشيوس في نواكشوط أداء دوره في تدريس اللغة الصينية والتقريب بين الشعبين، بينما ارتفع عدد الطلبة الموريتانيين الخريجين من الجامعات الصينية إلى أكثر من 500 طالب، في تخصصات علمية وتقنية متعددة.
وتؤكد موريتانيا باستمرار دعمها لمبدأ "الصين الواحدة"، فيما تبدي بكين التزامًا واضحًا بمساندة جهود موريتانيا في مكافحة الفقر، وتعزيز التنمية المستدامة، وقد برز ذلك جليًا خلال جائحة كوفيد-19، حين قدمت الصين مساعدات طبية ولقاحات في وقت حرج.
وفي ظل انخراط موريتانيا في مبادرة "الحزام والطريق"، تتوسع آفاق الشراكة لتشمل مجالات جديدة، مثل التحول الرقمي، والطاقات المتجددة، وتطوير سلاسل التوريد، ما يعزز موقع نواكشوط كبوابة استراتيجية نحو غرب إفريقيا وعمقها القاري.
ستة عقود من الشراكة الموريتانية–الصينية تؤكد أن العلاقات الدولية الناجحة تُبنى على الثقة والعمل المشترك، وأن التعاون الحقيقي يُقاس بمدى تأثيره في تحسين حياة الشعوب. ومع دخول هذه العلاقة عقدها السابع، تتعزز الآمال في مستقبل أكثر ترابطًا وتكاملًا بين ضفّتيْ الصحراء وسور الصين العظيم.