الثنائية العبثية: خطاب العنصرية مقابل فشل الدولة

ثلاثاء, 04/08/2025 - 14:18

في كل أزمة سياسية أو اجتماعية تمر بها بلادنا، يخرج علينا فريق من المعارضة بخطاب يغلفه الدفاع عن “الحقوق” لكنه ينهل من قاموس التفرقة والتحريض، ويُغذي الشكوك بين مكونات المجتمع، بينما تقابل الدولة هذا الانحراف بصمت مريب، وتغيب تمامًا عن تسوية الملفات، وفرض القانون، وطمأنة الناس على وحدة المصير.

إننا نعيش ثنائية عبثية خطيرة: طرف يعزف على وتر العنصرية ويُلهب المشاعر، وطرف آخر – الدولة – يُحجم عن المبادرة ويفشل في احتواء الموقف، ويجد أحيانًا في هذا اللهو العام وسيلة لتغطية فشله السياسي والمؤسسي.
هذا التواطؤ غير المعلن – بين خطاب يُمزّق، وسلطة تُراوغ – لا يهدد فقط السلم الاجتماعي، بل يُقرب لحظة الانفجار التي لا تُبقي ولا تذر.

إن أي نظام يجد في خطاب التفكيك وسيلة لإطالة عمره، أو في التفرقة الاجتماعية أداة للهروب من الإصلاح، هو نظام يُراهن على نحر الاستقرار الوطني، ويرتكب خيانة موصوفة بحق اللحظة التاريخية التي تمر بها البلاد.
وكذلك الحال في أي سياسي يطمع في الوصول إلى سدة الحكم أو يتوق لتبوؤ مقعد في البرلمان أو أي موقع تمثيلي، ويرى في اللعب على أوتار الانقسام، أو في تأجيج الغرائز العرقية، طريقًا نحو المجد السياسي، فهو لا يقل خطرًا عن النظام المتقاعس، بل يُشارك في الجريمة ذاتها بوجه آخر.
إن من لا يملك مشروعًا وطنيًا جامعًا، لا يملك حق الطموح في قيادة الناس، ولا يحق له الادّعاء بتمثيلهم.

فليتوقف الجميع لحظة أمام المرآة: هل نحن نُبني دولة، أم نُراكم أسباب تفككها؟ هل نُقاوم الظلم، أم نُعيد إنتاجه بخطاب مختلف؟ هل نبحث عن وطن يجمعنا، أم عن مكاسب تُفرّقنا؟
هذه الاسئلة وغيرها ، يجب أن تظل حاضرة فى أذهان هؤلاء.
وفي هذا السياق، نؤكد بوضوح:
• أن الخطاب العنصري لا يُمثل مطلبًا شرعيًا، بل انحرافًا خطيرًا يجب أن يُواجه بالقانون، لا بالمهادنة.
• وأن الدولة التي لا تحسم في اللحظات الحاسمة، ولا تحكم بالعدل، ولا تُساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات، تُصبح هي نفسها أداةً للفتنة.
• وأن استمرار السكوت عن هذه الثنائية سيُفضي إلى مأساة جماعية لن يكون أحد بمنأى عن عواقبها.

وننقولها بوضوح وبلا تردد: لا أحد يملك الحق في تحويل هموم هذا الشعب المسكين إلى فتنة، ولا في العبث بلحمة الوطن من أجل مكسب سياسي رخيص.
ومَن لا يستطيع أن يُدير شؤون الدولة بمنطق السيادة والعدل، فليتنحَّ جانبًا، قبل أن يُثخن الجرح ويعجز البلد عن الوقوف.

محمد محمود سيدى بوى رئيس المرصد الموريتاني للعدالة والمساواة