الخرطوم-«القدس العربي»: عاد الجدل من جديد حول ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني عمر البشير، وذلك عقب دعوته رسميا للمشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة برواندا يومي 17-18 من هذا الشهر.
واعلنت رواندا أن بلادها لن تعتقل البشير لمشاركته في هذه القمة وذلك إلتزاما بموقف الاتحاد الإفريقي حول هذا الموضوع.
ورحبت الخارجية الرواندية، الخميس، بزيارة الرئيس السوداني عمر البشير، استجابة لدعوة الاتحاد الافريقي له للمشاركة في قمته الـ 27، اعتبارا من الأحد، وأكدت وزيرة الخارجية الرواندية لويز موشيكيوابو في مؤتمر صحافي في العاصمة كيجالي على هامش الاجتماعات التحضيرية للقمة، أن بلادها لم توقع على نظام روما الأساسي للمحكمة، وهي غير معنية بتوقيف الرئيس السوداني.
وأعلن وزراء خارجية الدول الأفريقية يوم الأربعاء الماضي تأييدهم للسودان ولرئيسه ضد قرار المحكمة الجنائية القاضي بتوقيفه بزعم ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، وشهد اجتماع الوزراء الأفارقة الذي سبق القمة مهاجمة وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، للمحكمة الجنائية، واتهمها بالفساد داعيا الدول الأفريقية لمواصلة موقفها في مناهضة هذا الملف.
وفي الوقت ذاته قادت بعثة السودان الدائمة بجنيف، حملة دبلوماسية ضد دعاوى المحكمة الجنائية الدولية، مستغلة ما رشح في الفترة الماضية من وجود فساد في هذه المحكمة من خلال تلقي رشاوي وتلفيق اتهامات لتوريط البشير.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في عام 2009 لائحة اتهام ضد الرئيس عمر حسن البشير، وعددا من وزرائه، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة خاصة في إقليم دارفور. ويعتبر البشير أول رئيس دولة يصدر في حقه أمر بالتوقيف من المحكمة الدولية وهو في سدة الحكم، واعتبر محللون ومراقبون أن هذه النقطة تمثل اختبارا وتحديا كبيرا لهذه المحكمة.
وفشلت المحكمة في توقيف البشير ما جعل المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، تنتقد مجلس الأمن الدولي لفشله في القبض على البشير، معبرة عن يأسها واحباطها حيال هذا الأمر.
رحلات البشير الخارجية ظلت مثار جدل منذ أن وضعته المحكمة الجنائية الدولية على رأس قائمة من المسؤولين السودانيين للمثول أمامها في عام 2009 بدعوى إرتكاب جرائم في إقليم دارفور، تثير جدلا كثيفا حول إمكانية القبض عليه لكنه كان يعود في كل مرة للخرطوم ويعلن انتصاره على المحكمة الدولية.
وفي منتصف أيار/مايو الماضي توجه البشير إلى العاصمة الأوغندية كمبالا وشارك في تنصيب الرئيس اليوغندي يوري موسفيني. وكانت مدير منظمة العفو الدولية لشرق أفريقيا والقرن الافريقي موثوني وانكي، دعت أوغندا للوفاء بالتزاماتها الدولية وإلقاء القبض على البشير، لكن أوغندا لم تلتزم بالقبض على البشير رغم توقيعها على قرار إنشاء محكمة الجنايات الدولية.
وفي تحد آخر لمحكمة الجنايات الدولية، غادر الرئيس السوداني عمر البشير يوم 29تشرين الأول/اكتوبر الماضي الخرطوم متوجها إلى الهند للمشاركة في القمة الأفريقية الهندية، وأثارت تلك الزيارة ردود أفعال واسعة، حيث طالبت مدعية المحكمة الجنائية بتسليم البشير للعدالة الدولية.
ودعت أكثر من عشرين منظمة إقليمية ودولية، الهند إلى عدم استقبال الرئيس السوداني المطلوب للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لإتهامه في جرائم حرب ارتكبت بدارفور، وكانت أبرز المنظمات التي نشطت في هذا الأمر هي منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، ومركز التقاضي في جنوب افريقيا، واللجنة الدولية للحقوقين المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق والقرن الافريقي، ومؤسسة مبادرة حقوق الإنسان والمركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام، لكن البشير شارك في القمة وعاد بأمان إلى بلاده.
وراجت أخبار في شهر آب/أغسطس العام الماضي بأن الرئيس السوداني يعتزم السفر إلى نيويورك في ايلول/سبتمبر ليلقي كلمة أمام الأمم المتحدة بدعوة قدمت له، لكن ذلك لم يحدث.
وأحدثت رحلة البشير لجنوب افريقيا في حزيران/يونيو 2015 ردود أفعال كبيرة، حيث ارتفعت حظوظ المطالبين بالقبض عليه، وغيّرت هذه الأحداث مسار القمة، غير أنه غادر جنوب أفريقيا قبل إنتهاء القمة وعاد إلى بلاده بطريقة دراماتيكية وأثارت تداعيات هذا الموضوع العديد من التحقيقات في دولة جنوب إفريقيا.
وسافر البشير في أيلول/سبتمبر الماضي للمشاركة في الإحتفالات بإنتصار الصين في الحرب العالمية الثانية، واشتملت الزيارة على توقيع عقود لشراء طائرات وبواخر والتباحث حول إعفاء الديون والتنسيق السياسي في المواقف المختلفة، واستغرقت الزيارة ستة أيام دون مضايقات من أي جهة.
وكانت رحلته للصين نفسها عام 2011 مثار جدل بعد أن عادت طائرته من الجو لرفض دولة تركمانستان منحها تصريح عبور لأجوائها الأمر الذي أدى لتأخير الرحلة ليوم كامل وسط شائعات قوية بالقبض عليه.
ولم يقتصر «حرج» البشير في السفر إلى أمريكا والدول الأوروبية، فقد واجه معضلة في اجتماع قمة للاتحاد الافريقي في نيجيريا في تموز/يوليو 2013 حيث نشطت جماعات حقوقية هناك في إيداع دعوى قضائية تدعو إلى اعتقاله الأمر الذي جعله يقطع القمة ويعود فجأة للخرطوم!
ورغم المطالبات المتلاحقة بمثول البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب في اقليم دارفور، فقد فاز بسهولة في انتخابات عقدت في نيسان/أبريل الماضي نصبته رئيسا للسودان لخمس سنوات مقبلة لترتفع مدة حكمه لأكثر من ثلاثين عاما كأطول فترة زمنية لرئيس سوداني.